الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
الأول: قال في القديم: (يأتي بها)؛ لأن محلَّها باقٍ، وهو القيام. والثاني: قال في الجديد: (لا يأتي بها)، وهو الصحيح؛ لأنه ذكر مسنون فاته محلُّه، فلم يأت به، كما لو ترك دعاء الاستفتاح، فذكره بعد استفتاح القراءة.
وقال أبو حنيفة: (ينظر فيه: فإن ذكر قبل أن يسجد في الخامسة.. فإنه يعود إلى الجلوس، كما قلنا. وإن ذكر بعدما سجد في الخامسة، فإن كان قد قعد في الرابعة قدر التشهد.. فقد تمت صلاته؛ لأنه لم يبق عليه غير الخروج منها، وقيامه إلى الخامسة خروج، فيضيف إلى هذه الخامسة ركعة ثانية، فيحصل له ركعتان نافلة؛ لأنه لا يجبر التنفل بأقل من ركعتين، وإن قام إلى الخامسة قبل أن يقعد في الرابعة قدر التشهد.. فقد بطلت صلاته بالقيام). دليلنا: ما روى ابن مسعود: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلَّى الظهر خمسًا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: وما ذاك؟، فقيل له: صليت الظهر خمسًا، فسجد سجدتين، وهو جالس بعد السلام». قال ابن مسعود: (ولم يكن قعد في الرابعة). إذا ثبت ما ذكرناه: نظرت: فإن ذكر في الخامسة بعد أن تشهد، وسلَّم.. فإنه يسجد للسهو، كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وإن ذكر بعدما تشهد، وقبل أن يسلِّم.. فإنه يسجد للسهو، ويسلم. وإن ذكر قبل أن يتشهد في الخامسة، فإن كان لم يتشهد في الرابعة.. فإنه يعود إلى الجلوس، ويتشهد، ثم يسجد للسهو، ويسلِّم، وإن كان قد تشهد في الرابعة.. فهل يعيد التشهد؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يعيد التشهد، بل يجلس، ويسجد للسهو، ويسلِّم، وهو الأصحُّ؛ لأنَّ ما فعله من التشهد قد صح، فلا يبطل بسهوه إلى القيام. والثاني- وهو قول أبي العباس -: أنه يلزمه أن يعيد التشهد. والعلة فيه - عند أصحابنا ببغداد: ليكون السلام عقيب التشهد؛ لأن ترتيب الصلاة هكذا. وقال أصحابنا بخراسان: في علته معنيان: أحدهما: لأن الموالاة شرط بين الأركان. والثاني: لأنه لا يجوز إفراد ركن. قالوا: وفائدة هذا تظهر فيما لو ترك الركوع ناسيًا، وذكره وهو في السجود، فإن قلنا: يجب عليه لأجل الموالاة.. فإنه يجب عليه ها هنا أن يقوم من السجود مستويًا، ثم يركع. وإن قلنا هناك: يجب عليه؛ لأنه لا يجوز إفراد ركن.. جاز ها هنا أن يقوم من السجود إلى الركوع.
وجملة ذلك: أن سجود السهو يقع تارة للزيادة، وتارة للنقصان، فأما الزيادة: فضربان: أفعال، وأقوال. فأما الأفعال: فهي كل فعل إذا أتى به في الصلاة عامدًا.. أبطل الصلاة، فإذا أتى به ساهيًا.. سجد للسهو لأجله، وهي على ضربين: ضرب: من غير جنس أفعال الصلاة، وضرب: من جنس أفعالها. فأما زيادة الأفعال التي ليست من جنس أفعال الصلاة: فإنها لا تقتضي سجود السهو بحال؛ لأنها إن كانت قليلاً، كالخطوة والضربة.. فإن الصلاة لا تبطل بفعلها عامدًا ففعلها في السهو لا يقتضي السجود. وإن كانت كثيرة.. فإن الصلاة تبطل بفعلها في العمد والسهو، فلا معنى لسجود السهو لأجله. وأما ما كان من جنس أفعال الصلاة.. فضربان: متحقَّقَةٌ، ومتوهَّمَةٌ. فأما (المتحققة): فهو أن يزيد ركعة. والدليل عليه: ما روى ابن مسعود: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلَّى الظهر خمسًا، فقيل له في ذلك، فسجد سجدتين، وهو جالس بعد السلام». وهكذا: إذا سجد في موضع الركوع، أو ركع في موضع السجود.. فإنه يسجد للسهو؛ لأنه في معنى زيادة ركعة. وإن طال القيام بنية القنوت، في غير موضع القنوت.. قال الشيخ أبو إسحاق: يسجد للسهو. وإن جلس عقيب السجدة الثانية في الركعة الأولى، أو الثالثة في الصلاة الرباعيَّة، فإن ابتدأ بالتشهد ساهيًا.. سجد للسهو؛ لأنها زيادة في الصلاة، فهو كما لو قام في موضع القعود. وإن لم يتشهد.. قال المحامليُّ: فإن كان قعد بقدر جلسة الاستراحة.. فلا سجود عليه، وإن كان أكثر من ذلك.. سجد للسهو. وأما (المتوهمة): فهو أن يشكَّ: هل صلَّى ثلاثًا، أم أربعًا؟ فيأتي بركعة، ويسجد للسهو؛ لحديث أبي سعيد في أوَّل الباب. وأما زيادة الكلام: فهو أن يسلم في غير موضع السلام ناسيًا، أو يتكلم ناسيًا.. فيسجد للسهو؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلَّم في العصر من اثنتين، وكلَّم ذا اليدين، وأتمَّ صلاته، وسجد للسهو». قال ابن الصباغ: فإن قام قبل الركوع وبعد القراءة، فدعا، فإن نوى به القنوت.. سجد؛ لأنه أتى به في غير موضعه، وإن لم ينو القنوت.. لم يسجد للسهو، وكان تابعًا للقراءة. وإن قرأ في الركوع أو القعود ناسيًا.. سجد للسهو؛ لأنه قرأ في غير موضعه، فهو كما لو سلَّم في غير موضعه، وهذا نادرٌ، لأن عمده لا يبطل الصلاة، وسهوه يقتضي سجود السهو. وحكى في "الفروع" وجهًا آخر: أنه لا يسجد للسهو، ولعل قائل هذا يقول: لأن عمد ذلك لا يبطل الصلاة، فسهوه لا يقتضي سجود السهو. والأول هو المشهور. وأما النقصان: فإن ترك ركنًا من أركان الصلاة. لم يحكم بصحة صلاته حتى يأتي به، ولا ينجبر بسجود السهو. وإن ترك سُنَّة يقصد لها عمل البدن، مثل الجلوس للتشهد الأول، أو التشهد فيه، أو الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه - إذا قلنا: إنها سُنن- أو القنوت في الصبح، أو الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان، فمتى ترك شيئًا من ذلك ناسيًا.. سجد للسهو؛ لما روى عبد الله بن بحينة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام في الظهر من اثنتين، فلما جلس من أربع.. انتظر الناس تسليمه، فسجد قبل أن يسلم». وقول الشافعي: (لا سجود إلا في عمل البدن) ليس على ظاهره، وإنما أراد فيما يقصد له عمل البدن، وهي هذه الأذكار التي ذكرناها؛ لأنها ليست بهيئة لغيرها، وإنما يقصد بعمل البدن الإتيان بها. وإن ترك شيئًا من هيئات الصلاة ناسيًا، كدعاء الاستفتاح، وقراءة السورة بعد الفاتحة، والتكبيرات في الصلاة للركوع، والسجود، والرفع، وتكبيرات العيد، والجهر، والإسرار، وغير ذلك من الهيئات.. فإنه لا يسجد للسهو؛ لأن هذه الأشياء يؤتى بها هيئة، وتابعة لغيرها؛ لأن دعاء الاستفتاح يراد لاستفتاح الصلاة، وقراءة السورة تبع للفاتحة، والتكبيرات هيئات للخفض والرفع، والتسبيح هيئة للركوع والسجود، بخلاف القنوت والتشهد؛ فإنهما لا يفعلان على وجه الهيئة والتبع لغيرهما، بل يقصدان بأنفسهما، ولهذا شرع لهما محل غير مفروض، يختص بهما. قال ابن الصباغ: وحكى أبو إسحاق: أن الشافعي قال في القديم: (يسجد لترك كل مسنون في الصلاة، سواء كان ذكرًا، أو عملاً). وهكذا: إذا جهر بما يسر به، أو أسر بما يهجر به. قال: وهذا مرجوع عنه، وبه قال مالك، وهذا مذهبنا. وقال أبو حنيفة: (إذا ترك تكبيرات العيد.. سجد للسهو، ولا يسجد لترك سائر التكبيرات، وإن ترك الجهر أو الإسرار.. سجد إذا كان إمامًا). وقال ابن أبي ليلى: إذا جهر في موضع الإسرار، أو أسر في موضع الجهر.. بطلت صلاته. دليلنا: ما روي: (أن أنسًا جهر في صلاة العصر، فلم يعدها، ولم يسجد للسهو)، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، لأن هذه هيئات.. فلم تقتض الجبران، كالرمل والاضطباع في الحج.
أحدهما: لا يسجد، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن هذا السجود يسمَّى: سجود السهو، وإذا ترك هذه الأشياء عامدًا.. لم يسم بهذا الاسم. والثاني: يسجد، وهو الأصح؛ لأنه إذا سجد لتركها ساهيًا.. فلأن يسجد لتركها عامدًا أوْلى، ولأن ما اقتضى الجبران إذا فعله ناسيا.. اقتضى الجبران إذا فعله عامدًا، كفدية الأذى، وقتل الصيد في الحج.
قال أصحابنا: إذا شكَّ هل زاد في الصلاة، أم لا؟ لم يسجد؛ لأن الأصل أنه لم يزد. وهذا مراد الشافعي. وحُكي: أن الكسائي، ومحمد بن الحسن اجتمعا عند هارون الرشيد، فقال الكسائي: العلوم كلها جنس يُستدل ببعضها على بعض، فقال محمد بن الحسن: ليست بجنس، ولا يستدل ببعضها على بعض، فقال الكسائي: بلى، فقال محمد: ما تقول في رجل شكَّ هل سها، أم لا؟ هل عليه سجود السهو؟ فقال الكسائي: لا سجود عليه، فقال محمد بن الحسن: لم؟ قال: لأن العرب لا تصغر التصغير، كذا لا سهو عليه للسهو. فإن قيل: أليس إذا شك: هل صلى ثلاثًا، أم أربعًا، فإنه يأتي بركعة ويسجد للسهو، وإن كانت هذه الزيادة مشكوكًا فيها، والأصل عدمها؟ فالجواب: أنه إذا شكَّ في هذه الركعة: هل هي من أصل الصلاة، أم لا؟ فإن هذه الركعة قد دخل عليها النقص في ذلك، فجبرها بالسجود، وإن كان الشك في النقصان: هل أتى بالتشهد الأول، أو القنوت؟ سجد للسهو؛ لأن الأصل أنه لم يأت به.
وقال الأوزاعي: (إن كانا من جنس واحد.. تداخلا، وإن كانا من جنسين.. لم يتداخلا). دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلَّم من اثنتين، وكلَّم ذا اليدين، واقتصر على سجدتين». ولأن سجود السهو إنما أخر إلى آخر الصلاة؛ ليجبر كل سهو وقع فيها. وإن سجد للسهو، ثم سها قبل أن يسلم.. فهل يسجد لسهوه ثانيًا؟ فيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي العباس بن القاص -: أنه يسجد، وبه قال قتادة؛ لأن سجود السهو لا يجبر ما بعده. والثاني- وهو قول أبي عبد الله الختن، والمسعودي [في "الإبانة" ق 72]، واختيار الشيخ أبي نصر -: أنه لا يسجد، لأنه لو لم يجبر كل سهو.. لما أُخر إلى آخر الصلاة. قال المسعودي [في "الإبانة" ق 72] ولأنه لو لزمه السجود.. لم يؤمن أن يسهو ثانيًا وثالثًا، فيؤدي إلى ما لا نهاية له، والتصغير لا يصغر.
دليلنا: ما روى الدارقطني، عن عبد الله بن عمر عن عمرأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام.. فعليه وعلى من خلفه». ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأئمة ضمناء». قيل في تفسيره: إنهم يتحملون السهو عن المأمومين. وقيل: قراءة الفاتحة. وقيل: قراءة السورة. ولـ: (أن معاوية بن الحكم شمَّت العاطس خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسجود). فإن سها الإمام فسجد.. سجد معه المأموم. قال الشيخ أبو حامد: وهو إجماع. والدليل عليه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به». والائتمام به هو: الاقتداء في جميع أفعاله، ومن أفعاله أيضًا إذا سها.. سجد سجود السهو، ولأنه قال: «فإذا سجد.. فاسجدوا». ولم يفرِّق. فإن لم يتابعه المأموم في سجود السهو.. قال صاحب "الإبانة" [ق 72] بطلت صلاته. فإن لم يسجد الإمام.. سجد المأموم، وبه قال مالك، والأوزاعي، والليث. وقال أبو حنيفة والنخعي: لا يسجد. وبه قال المزني، وأبو حفص من أصحابنا؛ لأنه إنما يسجد تبعًا للإمام، وقد ترك الإمام، فلم يسجد المأموم. ودليلنا: أن صلاة المأموم قد نقصت بنقصان صلاة إمامه، فإذا لم يجبر الإمام صلاته.. جبر المأموم صلاته.
وإن سلَّم الإمام وهو قائم.. فهل يجب عليه أن يمضي في القيام، ويستأنف القراءة؟ أو يجب أن يعود إلى القعود، ثم يقوم؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يجب عليه القعود، ولا يجوز له؛ لأن الواجب عليه القيام، وقد صار قائمًا. والثاني: يجب عليه القعود؛ لأنه قام في غير محله، فلم يحتسب له به، كما لو أتى بالركعة.
ومن أصحابنا من قال: لا يلزمه، كما لا يحمل عنه الإمام سهوه بعد انفراده عنه. والمذهب الأول؛ لأن المأموم دخل في صلاة ناقصة، فنقصت بها صلاته. فإذا قلنا بهذا، فسجد الإمام لسهوه قبل السلام.. لزم المأموم متابعته في السجود، وبه قال أكثر أهل العلم. وقال ابن سيرين: لا يلزمه أن يسجد معه، وحكاه الطبري عن بعض أصحابنا؛ لأن محل سجود السهو آخر الصلاة، وليس هذا آخر صلاة المأموم، والمذهب الأول؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد.. فاسجدوا». وإن سلم الإمام قبل أن يسجد، ثم سجد الإمام بعد السلام.. قام المأموم على ما بقي من صلاته، ولم يتابع الإمام في سجود السهو. وقال أبو حنيفة: عليه متابعته. دليلنا: أن المأموم إنما يلزمه متابعة الإمام ما دام في الصلاة، وبالسلام قد خرج عن الصلاة، فلم يلزمه متابعته. فإن سجد الإمام للسهو قبل السلام، فسجد معه المسبوق، ثم قضى ما عليه.. فهل يعيد سجود السهو في آخر صلاته؟ فيه قولان: أحدهما: يعيد؛ لأن هذا موضع سجوده. والثاني: لا يعيد؛ لأن النقص قد انجبر بسجوده مع الإمام. وإن سبقه الإمام ببعض الصلاة، ثم سها الإمام فيما أدرك معه المأموم، وسجد الإمام في آخر صلاته، فسجد معه المسبوق، ثم قضى المسبوق ما فاته مع الإمام.. فهل يلزمه أن يعيد السجود؟ على القولين في التي قبلها. وإن سبقه الإمام ببعض الصلاة، ثم سها الإمام فيما أدرك معه المأموم، وسجد الإمام لسهوه، فسجد معه المأموم، ثم قام المسبوق إلى قضاء ما فاته، فسها فيما قضاه، فإن قلنا في الأولى: لا يلزمه أن يعيد ما سجد مع الإمام.. سجد المأموم ها هنا في آخر صلاته سجدتين للسهو الذي سهاه في انفراده. وإن لم يسجد الإمام، أو سجد وسجد معه المسبوق، وقلنا: يلزمه أن يعيد سجود السهو في آخر صلاته.. فكم يسجد ها هنا؟ فيه وجهان: أحدهما: يلزمه أن يسجد أربع سجدات؛ لأنه يسجد لسهوين مختلفين: أحدهما من جهة الإمام، والآخر من جهته. والثاني- وهو المنصوص -: تكفيه سجدتان؛ لأن السجدتين تجبران كلَّ سهو وقع في الصلاة. فإذا قلنا بهذا، فعما يقعان؟ فيه ثلاثة أوجه، حكاها في "الفروع": أحدها: يقعان عن سهو إمامه، وسهوه تابعٌ: والثاني: يقعان عن سهوه، وسهو إمامه تابعٌ. والثالث: يقعان عنهما. قال: وفائدة هذا تظهر فيه إذا نوى به خلاف ما جعل مقصودًا بهما.
أحدهما: أربع سجدات. والثاني: يكفيه سجدتان. فإذا قلنا بهذا، فعمَّا يقعان؟ يحتمل الأوجه الثلاثة التي حكاها صاحب "الفروع". وإن كانت صلاة المأموم أطول، بأن كانت صلاته رباعية، فصلى منها ركعة منفردًا، فسها فيها ثم ألحق صلاته بصلاة من يصلِّي ركعتين، فسها الإمام، ثم قام المأموم إلى ما بقي عليه من صلاته، فسها فيها.. فكم يسجد في آخر صلاته؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يسجد ست سجدات؛ لأنه سها في ثلاث حالات. والثاني: يسجد أربع سجدات؛ لأن سهوه جنسان: سهو في جماعة، وسهو في انفراد. والثالث- وهو الأصح -: تكفيه سجدتان؛ لأنهما يجبران كل سهوٍ وقع في الصلاة. فإذا قلنا بهذا، فعما يقعان؟ يحتمل أن يكون فيه الأوجه الثلاثة التي حكاها صاحب "الفروع" في الأولى.
وقال قتادة والأوزاعي: (يضيف إليها أخرى، ويسجد للسهو)؛ لأنه إذا لم يضف إليها ركعة، كانت شفعًا. دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلَّى الظهر خمسًا، فلمَّا قيل له في ذلك.. سجد للسهو». ولم يضف إليها أخرى، لتصير شفعًا. وإن سبقه الإمام ببعض الصلاة.. فإنه يقضي ما فاته مع الإمام بعد سلام الإمام، ولا يسجد للسهو. وحُكي عن ابن عمر، وابن الزبير، وأبي سعيد الخدري: أنهم قالوا: (يسجد للسهو في آخر صلاته). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أدركتم مع الإمام فصلوا، وما فاتكم.. فاقضوا». ولم يأمر بالسجود.
وقال الكرخي: ليس لأبي حنيفة فيه نص، والذي يقتضيه مذهبه: أنه واجب. وقال مالك: إن كان لنقصان.. فهو واجب، وإن كان لزيادة.. فليس لواجب. دليلنا على أبي حنيفة: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث أبي سعيد: «كانت الركعة نافلة له والسجدتان». وعلى مالك: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وإن كانت صلاته ناقصة، كانت الركعة تمامًا لصلاته، والسجدتان ترْغمان أنف الشيطان». وما يرغم أنف الشيطان، فليس بواجب. ولأنه سجود لا تبطل الصلاة بتركه، فلم يكن واجبًا، كسجود التلاوة. |